تعتبر
القيلولة من الموروثات الثقافية لدى كثير من الشعوب وبالذات في البلاد
الدافئة. فالقيلولة تعتبر شائعة جدا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، في
دول مثل اليونان وإيطاليا وأسبانيا وتعرف بالسيستا، وتقل أو تكاد تختفي في
أماكن أخرى مثل أمريكا الشمالية وشمال أوروبا. و تتأصل القيلولة في
ثقافتنا وموروثنا في العالم الإسلامي. وينبع ذلك من سنة نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم. فقد مارس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم القيلولة
وأوصى بها، فقد روى أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"قيلوا فإن الشيطان لا يقيل." (حسنه الألباني). وقد ورد ذكر القيلولة في
القرآن، قال عز وجل: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون)
(الأعراف آية 4). وتمتلئ الإنترنت بالكثير من المقالات التي تعرضت
للقيلولة وفوائدها ولكن الكثير من المعلومات المذكورة غير موثقة علمياً ولا
توجد أبحاث تدعمها ولم تتعرض للقيلولة من الناحية الطبية وغلب على الكثير
منها العاطفة. لذلك سنحاول في هذا المقال أن نستقصي الأبحاث الموثقة والتي
درست موضوع القيلولة ونشرت في مجلات علمية محكمة وسنتجنب الفوائد النظرية
التي لا يوجد لها دليل علمي حتى الآن، ونحن سننظر في هذا المقال للقيلولة
من ناحية طبية بحتة. تعتبر الغفوات أمراً طبيعياً لدى حديثي الولادة والرضع
والأطفال الصغار وتختفي بعد ذلك عند الأطفال في سن المدارس ولكن عند
البالغين تعود للظهور عند البعض وتعود بشكل واضح عند كبار السن (أكثر من 65
سنة). وقد أظهرت الدراسات التي نشرت من دول مختلفة أن القيلولة مرة
أسبوعيا تتراوح من 36%-80% عند البالغين. وفي المملكة أظهرت بعض الأبحاث أن
القيلولة تصل عند البالغين إلى 80% وتكون منتظمة عند 20-40% من الأشخاص.
كما وجدنا أن 40% من أطفال المدارس الابتدائية يقيلون بعد عودتهم من
مدارسهم في بحث سابق أجريناه في مدينة الرياض. ومن المعلوم أن أطفال
المدارس الابتدائية لا يحتاجون للقيلولة في هذا السن ولكن سبب القيلولة هو
نقص النوم أثناء الليل ومحاولة تعويض نقص النوم وهذا يقودنا إلى تقسيمات
القيلولة. يقسم الباحثون القيلولة إلى ثلاثة أقسام:
• قيلولة التعويض: ويقوم بها الأشخاص الذين
يعانون من نقص النوم بسبب السهر حيث يحاولون تعويض ما فاتهم من نوم الليل
بالقيلولة وهي النوع الشائع في المملكة
• قيلولة الوقاية: وهي القيلولة التي يحصل عليها الشخص لعلمه بأن عليه الاستيقاظ لفترة طويلة بعد ذلك كأن يكون مناوباً أو مسافراً بالليل وهكذا.
•قيلولة العادة: حيث يستمتع البعض بالحصول على قيلولة قصيرة وسط اليوم ويمارسونها بصورة منتظمة.
فوائد القيلولة:
وقبل الحديث عن فوائد القيلولة نود أن نذكر أن فوائد القيلولة تتأثر بعدة
عوامل منها حاجة الجسم للنوم، الإيقاع اليومي للجسم وساعة الجسم
البيولوجية، طول الغفوة، وقت الغفوة، وظهور أعراض كسل النوم بعد الغفوة
(سنتحدث عنها لاحقا) وعوامل أخرى مثل العمر والجنس.وقد أظهرت الأبحاث
الحديثة فوائد عديدة للقيلولة حيث تحسن القيلولة من مزاج القائل وتقلل
الشعور بالنعاس والتعب وتنشط القدرات العقلية مثل التحليل المنطقي والحساب
وردة الفعل. و أظهرت الأبحاث كذلك أن أفضل علاج للشعور بالنعاس هو الحصول
على غفوة قصيرة، حيث إن تأثير الغفوة يفوق تأثير المنبهات مثل القهوة أو
الأدوية المنبهة. كما أن الغفوة حسنت من الأداء العقلي مقارنة بالأدوية
المنبهة.
توقيت القيلولة:
يعتمد توقيت القيلولة على مواعيد نوم واستيقاظ القائل، حيث أن أفضل وقت
لقيلولة شخص يستيقظ لصلاة الفجر وينام بعد صلاة العشاء يختلف عن شخص آخر
يستيقظ متأخرا وينام متأخرا وهذا يعود لتأثير الساعة البيولوجية في الجسم.
حيث أن الإنسان يشعر بالنعاس وتنخفض درجة حرارته في وقتين في اليوم
والليلة: وقت النوم بالليل ووقت الظهيرة والذي يمتد من الساعة 12 ظهرا إلى
الخامسة عصرا حسب مواعيد نوم واستيقاظ كل شخص. ويعرف الوقت الذي يسبق نوم
الليل بساعتين إلى أربع ساعات بالمنطقة المحرمة التي يصعب فيها النوم ولا
يكون مريحا. لذلك يصعب تحديد وقت للقيلولة لعامة الناس لأن ذلك يعتمد على
مواعيد نومهم واستيقاظهم، الساعة البيولوجية، وجودة النوم الذي حصلوا عليه
الليلة السابقة.
طول القيلولة:
طول القيلولة يعتمد على الهدف من القيلولة. فإذا كان الإنسان يريد النوم
لأن وراءه سفراً طويلاً أو مناوبة مجهدة فقد ينام لساعات أطول. أما في
الروتين اليومي للحياة فإن الأبحاث أظهرت أن 10- 20 دقيقة هو أفضل مدة
للقيلولة لأن هذه المدة تحقق الفوائد المرجوة بعد الاستيقاظ مباشرة. ففي
الأبحاث المنشورة، أعطت هذه المدة أفضل النتائج من ناحية مقاومة النعاس
وتنشيط القدرات العقلية وتحسين الذاكرة. ولكن أليس نوم أطول يعني نتائج
أفضل؟ هذه الفرضية غير صحيحة في القيلولة لأن الغفوة الأطول قد تؤدي إلى
حدوث كسل أو قصور النوم. وسبب ذلك أن النائم يصل إلى النوم العميق بعد
حوالي 30 دقيقة من النوم، وإذا استيقظ من النوم العميق قبل حصوله على
كفايته منه فإنه قد تظهر لديه أعراض كسل النوم. وكسل النوم مرحلة
فيزيولوجية طبيعية يمر بها المستيقظ من النوم بعد الاستيقاظ المفاجئ ويشعر
خلالها بالدوخة ويكون هناك نقص في التركيز والمهارات العقلية وقد يصاحبها
بعض الاختلاط الذهني. وتستمر هذه الحالة من ثوان إلى 30 دقيقة. وهناك عدة
عوامل قد تؤثر في ظهور هذه الحالة. فالاستيقاظ المباشر من النوم العميق
(المرحلة الثالثة والرابعة من النوم) قبل أن يحصل المخ على كفايته من هذه
المرحلة قد يؤدي إلى هذه الحالة كما أن القيلولة المتأخرة (أي آخر العصر أو
وقت المغرب) قد تسببها. و المخ كما ذكرنا آنفا يدخل مرحلة النوم العميق
بعد حوالي 30 دقيقة من النوم لذلك يفضل أن لا تزيد القيلولة عن 30 دقيقة
حتى لا يصاب المستيقظ بقصور النوم. وأظهرت دراسة نشرت (2006) في مجلة اتحاد
الأطباء الأمريكيين (JAMA) على مجموعة من المتطوعين أن القدرة على الفهم
والاستيعاب والذاكرة قصيرة الأجل تكون أسوأ بعد الاستيقاظ من النوم العميق.
القيلولة عند كبار السن:
من المعلوم أن كبار السن (من تعدوا سن 65 سنة) يقيلون بصورة متكررة خلال
النهار وقد يكون هذا الأمر آلية لتعويض نوم الليل حيث إن جودة النوم عند
كبار السن تسوء مع تقدم العمر. والأبحاث التي أجريت على فوائد القيلولة عند
كبار السن قليلة ومتناقضة النتائج. ولكن سنذكر هنا وباختصار دراسة نشرت
عام 2007 في أرشيفات الطب الباطني على 23681 متطوع في اليونان وتم متابعتهم
لأكثر من ست سنوات وأظهرت الدراسة أن الذين يقيلون من الرجال بغض النظر
عند طول أو وقت القيلولة كانوا اقل إصابة بتصلب شرايين القلب والوفاة. أرجو
أن نكون نجحنا في إعطاء القارئ فكرة عن القيلولة والأبحاث العلمية التي
أجريت عليها. وأود أن أضيف هنا أن القيلولة ليست بالأمر الأساسي فبعض
الأشخاص يشعر بالراحة والأريحية عند الحصول على قيلولته المعتادة في حين أن
أشخاصاً آخرين لا يفضلون القيلولة ويشعرون بالتوتر والقلق إذا قالوا. وهذا
موضع بعض الأبحاث حاليا ويعتقد أن الذين لا يفضلون القيلولة يدخلون في
النوم العميق عند الغفوة بصورة أسرع. كما أود التنبيه هنا على أن النوم
لمدة ساعتين أو ثلاث كما يفعل البعض لا يدخل ضمن القيلولة بل يعتبر نوماً
طويلاً ويؤثر على راحة وعمق النوم بالليل